الكراسي ليست متشابهة، فالكرسي الذي يجلس عليه الزوج التعبان مساء قبالة جهاز التلفزيون يختلف عن
الكرسي الذي يجلس عليه ضابط الشرطة الماثل أمامه متهم يابس الرأس يأبي الاعتراف بما هو مطلوب
منه علي الرغم من أنه تعرض لشتي أنواع التعذيب، والكرسي الذي يجلس عليه مواطن في مقهي ليس
كالكرسي الذي يجلس عليه أستاذ جامعي منهمك في التحدث إلي طلابه وهو يشعر أنهم صلصال يتكون بين
أصابع يديه مثلما يريد، والكرسي الذي يجلس عليه الموظف الصغير لا علاقة له بالكرسي الذي يجلس
عليه الوزير محاطاً بمن هم مستعدون لإطاعة الأوامر قبل أن تصدر، والكرسي الذي تجلس عليه امرأة في
عيادة طبيب محتضنة طفلها المريض ليس كالكرسي الذي يجلس عليه صحافي يكتب كل يوم موزعاً
نصائحه علي رؤساء دول العالم، وما يكتبه هو أوامر صارمة تنكرت في هيئة نصائح أخوية، والكرسي
الذي يجلس عليه التلميذ يوم الامتحان ليس كالكرسي الذي يجلس عليه المليونير المتذمر من عجزه عن
إحصاء الملايين التي يملكها، والكرسي التي تجلس عليه طفلة في حديقة عامة ليس كالكرسي الذي يجلس
عليه الراغب في بيع بلاده شققاً مفروشة وبأسعار مخفضة غير قابلة للمزاحمة.
الكراسي ليست متشابهة، فولاة الأمر لهم كراسيهم الوثيرة التي يتقنون الحفاظ عليها، ولكنهم في الآونة
الأخيرة تبدلت أحوالهم، وتحولوا قطعاً من اللحم المقدد ترتجف فزعة من مستقبل غامض مجهول، وشعروا
أول مرة في حياتهم أن كراسيهم تبدلت أيضاً، وتمتلك أجنحة غير مرئية، وتتأهب للطيران بعيداً عنهم،
فسارعوا قبل أن يفوت الأوان إلي فعل كل ما يسعد حاكم العالم، الخافض، الرافع، وصانع الكراسي ومختلق
القاعدين عليها بغية إقناعه بأنه لن يجد خدماً أخلص وألطف، ولكن كل ما فعلوه كان بغير جدوي، ولم يحظ
إلا بمزيد من الغضب والإزدراء، وتابع حاكم العالم القادر علي الخفض والرفع تفحص جحافل المرتزقة
لاختيار من يراه مناسباً للجلوس علي تلك الكراسي، فحمد المواطنون الله الذي لم يجعلهم من الجالسين
علي كرسي من تلك الكراسي، وهم لا يبالون بها سواء أبقيت أم تلاشت، ويفضلون القعود علي أرض
سيدفنون يوماً تحت ترابها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق