أفاق أحد النقاد العرب من نومه، وتمطي وتثاءب وهو يشعر براحة من نام مائة سنة، وارتدي ثيابه علي
عجل، وخرج من بيته، وسار في الشوارع قاصداً مقهاه ملتهفاً علي تدخين النرجيلة واحتساء عدة فناجين
من القهوة، فبوغت في أثناء مشيه باكتشافه أنه لا يري الأحياء فقط بل يري أيضا الأموات غير المرئيين
لغيره من الناس، وتأكد من أن ثمة أمراً غامضاً قد حدث له وهو نائم، وجعله مالكاً لتلك المقدرة الغريبة
التي تمكنه من رؤية الكثير من الأدباء العرب الأموات المتسكعين في الشوارع، وحدق إلي ما حوله
بفضول:
كان الكاتب المصري مصطفي لطفي المنفلوطي يهرع في الشوارع باحثاً بإلحاح عن الشاعر السوري
أدونيس وهو يصيح بحنق: إذا أراد أن يتابع السطو علي إنجازاتي البلاغية، فليكن جريئاً، ويكف عن
الاختباء وراء أقنعة الحداثة .
وكان الشاعر والمسرحي المصري نجيب سرور يحوص متنقلاً بحيرة من رصيف إلي رصيف محاولاً
الاهتداء إلي مبني السفارة الصومالية كي يقدم إليها طلباً للحصول علي الجنسية الصومالية والتخلي عن
الجنسية العربية.
وكان الشاعر اللبناني خليل حاوي جالساً علي أحد الأرصفة يحملق بسخرية إلي مظاهرة غاضبة تتعالي
فيها الهتافات المنددة بأمريكا وإسرائيل، ويتمتم بصوت متهدج آسف: لو كان الكلام ينفع لما انتحرت!
وكان القاص المصري يوسف ادريس يدخل المكتبات ليغادرها محملاً بكتب لكّتاب آخرين، ويمزقها بحركات
نزقة وهو يقول: عندما كنتُ حياً كانوا كلهم أقزاماً، وعندما رحلت عن الحياة صاروا كلهم عمالقة .
وكان الشاعر العراقي بدر شاكر السياب ملتصق الظهر بحائط، يقرأ ديواناً من الشعر الحديث، وقد رمي
بالديوان فجأة إلي الأرض، وقال بصوت يقطر ندماً: لو كنت أعرف أن تطويري للشعر العربي سيؤدي إلي
مثل هذا الشعر الهراء لقضيت حياتي كلها أنظم الشعر مقلداً أحمد شوقي وابن سكرة .
ولما ملّ الناقد من التفرج علي الأدباء الأموات، سارع إلي مقهاه، ودخله، وطلب نرجيلة وفنجان قهوة،
فأهمل الجرسون طلبه، وعامله كأنه غير موجود وغير مرئي، فذهل الناقد، وأيقن أنه قد مات في أثناء
نومه، وأخرج من جيبه قلمه وأوراقه البيض، وابتدأ يكتب آراءه الحقيقية في أدباء سبق له أن امتدحهم
وقارنهم بكبار الأدباء في العالم، وكانت آراؤه الجديدة تنصحهم بالعمل في أية مهنة ما عدا مهنة الأدب،
وقد توقف عن متابعة الكتابة قانطاً عندما تنبه إلي أن ما سيكتبه لن يصل إلي القراء.
0 التعليقات:
إرسال تعليق