ثمة بلاد كل شيء فيها متهم بالتقصير..
الغربان مقصرة لأنها تنعب صائحة: قاق قاق ، ولا تنعب صارخة: عاش عاش ، تقديراً لفئة مفترسة من
الناس تؤمن بأنها يحق لها وحدها أن تعيش، ولا يحق لغيرها إلا الهلاك.
المحطات التلفزيونية والإذاعية مقصرة، فهي تبذل جهدها لإقناع المواطنين بالتخلي عن عقولهم وآذانهم
وعيونهم، ولكن المواطنين ظلوا مالكي بقايا عقول تفكر وبقايا آذان تنصت وتسمع وبقايا عيون تري
وتحملق.
العصافير مقصرة، ولم تتعلم الزحف، وأثار طيرانها حسد المخترعين لها، وكانت السبب في اختراع
الطائرات الحربية.
الجوع مقصر، ولم ينجح في دفع ضحاياه إلي أن تصير وحوشاً يفترس أحدها الآخر.
الخراف مقصرة، فالمواطن يأكل لحمها بينما ينبغي لها أن تأكل المواطن ما دام البقاء للأقوي.
المعلمون مقصرون إذ يكتفون بتحويل المدارس إلي مخافر شرطة، ولا يحولونها إلي أماكن لها صفات
السجون والملاهي.
الأدباء مقصرون، فهم يصورون الفيل ذيل فأر بينما الأديب المبدع يصور ذيل الفأر نمراً شرساً سفاكاً
للدماء.
رغيف الخبز مقصر، فهو يذلّ ويروض فقط، ولا يزهق الأرواح.
المهندسون مقصرون، فهم يشيدون أبنية تتداعي وتنهار بعد سنة، ولا تنهار بعد أسبوع.
أزهار الحقول والحدائق مقصرة، وينبغي لها الاختفاء لتحل محلها الأزهار الصناعية، وعندئذ تتضاءل
البطالة، ويجد رأس مال ما الفرصة المناسبة كي ينمو ويشب ويترعرع.
رجال المعارضة مقصرون لأن وجودهم يتطلب بناء السجون، وبناء السجون يحول دون بناء القصور،
وبناء القصور هو الأهم لأسباب وطنية وقومية.
الصحافة مقصرة، ولو كانت تؤدي واجبها الإعلامي المسؤول لكان المواطن يأبي مسها، وينظر إليها نظرة
الشجرة الخضراء إلي الجراد.
الآباء مقصرون، فهم يربون أطفالهم تربية تمنحهم القدرة علي أن يصيروا في المستقبل خدماً مطيعين لقاء
أجر بينما التربية المثالية المنشودة تقضي بأن يكونوا خدماً بلا أجر.
لون السماء الأزرق مقصر، ولن ينجو من تهمة التقصير إلا إذا ارتدي الثياب السود تعاطفاً مع شعوب لا
نصير لها.
المواطنون مقصرون لأنهم مصممون علي الاستمرار في الحياة، ولا شيء في حياتهم إلا الهباء.
0 التعليقات:
إرسال تعليق