غفر الله لكل جريدة عربية نشرت بسذاجة ذلك الخبر الطريف الغريب عن اكتشاف علماء روس أن القهوة
تُصيب بالجبن والخوف وتُفقد الشجاعة والجرأة، ولم تعلم تلك الجرائد أنها جعلت الفرح يختال مزغرداً
راقصاً في قصور المسؤولين العرب الذين يخشون شعوبهم ويسعون لجعلها مزيجاً من الخراف والأرانب
والببغاوات، وكلما خيل إليهم أن مساعيهم تكللت بالنجاح بوغتوا بما لم يكن بالحسبان، واتضح لهم أنهم
كانوا من الواهمين، وها هم اليوم تسنح لهم فرصة العمر، فما كانوا يبحثون عنه قد جاءهم مجاناً وبغير
تعب، ولا بد من أنهم سيحاولون الاستفادة من هذا الاكتشاف لتعميم الخوف بأمتع الوسائل وأسهلها
وأرخصها، وستنطلق أولاً أجهزتهم العلمية والأمنية لمحاربة الشاي باتهامه بأنه مسبب السرطان والإيدز
حتي يتاح للقهوة وحدها أن تصول وتجول في كل الساحات متوجة بأكاليل الغار، وستشهد الأسواق طوفاناً
من القهوة التي ستباع بأسعار رمزية بسبب ما نالته من دعم حكومي سخي، وسيراقب المختصون كل بيت
من البيوت، وكل بيت لا يحتسي سكانه القهوة بشراهة، سيشتبه به، ويعامل علي أنه مركز خفي لتدريب
المشاغبين والمتمردين والخارجين علي القانون، وستتغير المناهج المدرسية، وسيضاف إلي كل كتاب
مدرسي فصل جديد عن الفوائد الجمة للقهوة، وسيقال في الكتب المدرسية الأدبية أن المتنبي لم يوفق في
نظم قصائده الخالدة إلا لكونه من مدمني القهوة، واغتيل بينما كان يه رب نوعّا فاخراً من البن الكولومبي،
وسيقال في الكتب المدرسية العلمية إن القهوة هي التي أتاحت للعباقرة الاهتداء إلي مكتشفاتهم التي أغنت
الحضارة الإنسانية، وفي أقبية التحقيق، لن يبدأ التحقيق وملحقاته مع أي متهم إلا بعد إرغامه طوال أيام
علي احتساء القهوة، وستتغير شروط الانتساب إلي اتحادات الكتاب الرسمية، ولن يقبل أي عضو جديد إلا
إذا كان مزوداً بوثائق تثبت عدد فناجين القهوة التي يشربها في كل ساعة، وسيرغم نزلاء السجون من
عتاة المجرمين علي شرب القهوة حتي تتغير طبائعهم إلي حد أنهم يستجدون أن يعملوا في المستشفيات
وملاجيء العجزة ممرضات وقابلات. أما المسؤولون العرب الآخرون التواقون إلي أن تتحرر شعوبهم من
كل ما يحول دون تطورها، فسيكافحون القهوة بوصفها من أخطر المخدرات، ولن يفلت مهربوها وشاربوها
من حبال المشانق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق