Advertisement

الانتخابات المصرية .. كله بيلعب على كله





الانتخابات المصرية .. كله بيلعب على كله

كم من زمن يكون للباطل فيه صولة وجولة, فلا يمكث إلا زمنا يسيرا, فيموت أصحابه, وتموت تلك الأباطيل, ولا يذكر أصحابها إلا باللوم والتحذير منهم.
وفي زمننا هذا تحرك ذوو الزيغ من أفراخ العلمانية والشيوعية بثوب واحد، والذين كشفوا عوارهم هم أهل السنة، وكذا تحرك المبتدعة من صوفية وشيعة وحزبيين ومن جماعة تكفير. والذين تصدوا لهم وردوا أباطيلهم هم أهل السنة، ويا سبحان الله من تصدوا له أحرقوه, وأحرقوا فكرته. وصدق عليه قول الشاعر:
ليس من مات فاستراح بِمَيْتٍ إنما المَيْــــتُ مَيِّــتُ الأحيـاء
إنما المــــيِّت من يعيش كئيــباً كاسفـاً باله قلــــيل الرجـاء



المرشّح يصير همه الوحيد ـ وهذا حال الكثير ـ أن يرضي الناخبين له بصورة أو بأخرى، إما أن يحاول إيصال مشروع لهم، أو يشفع ليتوظف مجموعة منهم، أو يقوم معهم في قضية معينة ـ وإن كانوا على باطل ـ إلى غير ذلك من هذه الأمور، لأنه يخشى أن يقولوا فيه ما يقولون، ويخشى في نظره أنهم مرة ثانية ما يقبلونه, ولا ينتخبونه، بل بعضهم يشترطون على المرشّح أن يفعل كذا وكذا من أمور الدنيا، وإن كانت محرمة, وهذا محرم في شرع الله قطعاً، بل هذا من عمل المنافقين، قال الله: يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين التوبة. وإذا كان الحاصل هو إرضاء المخلوق على حساب إسخاط الله، فالله يقول: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم التوبة.


أما بالنسبة لتسليع الانتخابات


والتسليع هو قيام شخص بتحويل الشيء إلي سلعة كي يتربح‏.‏ والحقيقة أن عديدا من السادة المحافظين ينتهزون فرصة الانتخابات بل ينتظرونها بشغف من أجل تحويلها إلي سبوبة تسترزق منها موازنة المحافظ‏.‏

والأصل في الانتخابات ـ أية انتخابات جدية وحقيقية ـ هو الشفافية والنزاهة وثمة شرط حاسم وحاكم آخر هو التكافؤ‏.‏ فإذا افتقد التكافؤ فلا ديمقراطية ولا شفافية ولا نزاهة أيضا‏.‏
والأصل في الانتخابات ايضا انها تعبير عن إرادة الناخبين‏,‏ كل الناخبين وليس بعضا منهم يتبقي في الملعب بعد استبعاد الآخرين عبر وسائل غير قانونية أو تتحايل علي الدستور والقانون‏.‏
وإذا كانت الحقوق الانتخابية تنقسم إلي قسمين أساسيين هما حق الترشح وحق الانتخاب فإن أي قرار يصدر ليمنع مواطنين قسرا عن حقهم في الترشح أو حقهم في الانتخاب يكون باطلا لتنافيه مع الدستور‏.‏
ونبدأ بالدستور
ـ م‏4‏ المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك‏..‏
ومن ثم فإن أي ترتيبات أو قرارات يصدرها أي محافظ تحرم مواطنين ما من حقوقهم في الترشح تكون مخالفة للدستور‏,‏ ولأبسط قواعد نزاهة الانتخابات‏.‏ ورغم ذلك تباري المحافظون في أوكازيون الحصول علي أكبر سبوبة لموازنة محافظتهم علي حساب نزاهة ودستورية العملية الانتخابية‏.‏ ولنبدأ الحكاية من بدايتها‏.‏ ففي عام‏2000‏ تذكرت الحكومة ان رسم الترشح والذي كان قدره مائتا جنيه ليس ملائما لأن عوامل التضخم قد جعلته تافها‏,‏ لكنها لم تتذكر ان عوامل التضخم ذاتها قد جعلت من دخل الفرد إذا وصل إلي مائتي جنيه او مضاعفاتها تافها وغير قادر علي الوفاء باحتياجات الحياة‏.‏ وطلبت الحكومة مضاعفة الرسم المقرر خمسة أضعاف دون ان تزيد المرتبات‏.‏
ودخول الفقراء ومحدودي الدخل عموما لا بهذه القيمة ولا بنصفها ولا خمسها ولا بأقل من ذلك بكثير بما يعني حجب إمكانية الترشح في الانتخابات عن كثيرين وبالفعل صدر القانون ـ وبرغم ممانعتنا ـ وفق التعديلين الآتيين‏:‏
ـ م‏6‏ من قانون رقم‏38‏ لسنة‏1972‏ في شأن مجلس الشعب عدلت بالقانون رقم‏12‏ لسنة‏2000‏ إذ استبدلت عبارة ألف جنيه بعبارة مائتي جنيه‏.‏
ـ م‏8‏ من قانون رقم‏120‏ لسنة‏1980‏ في شأن مجلس الشوري وتعديلاته عدلت فقرتها الأخيرة لتقول ويكون طلب الترشيح مصحوبا بإيصال إيداع مبلغ ألف جنيه خزانة مديرية الأمن بالمحافظة المختصة‏.‏
ولكن خطورة هذا التعديل لا تكمن فقط في حرمان الشريحة الأكثر فقرا من المواطنين وبالمخالفة للدستور ولأبسط قواعد التكافؤ وإنما تكمن في أنها فتحت شهية المحافظين للاستفادة من أوكازيون الانتخابات فبدأت بينهم مباراة في فرض رسوم للنظافة بزعم إزالة زبالة العملية الانتخابية علي نفقة المتسبب‏.‏
وبدأت المباراة مع انتخابات الشوري الأخيرة فتقرر مضاعفة رسم إزالة مخلفات الانتخابات من ألف جنيه وهو مبلغ كبير حتي وصلت إلي ثلاثة آلاف جنيه‏.‏ وأصدر أحد المحافظين الذين يتمتعون بكفاءة ربما تعجز الميزانية المخصصة لمحافظة عن الوفاء بطموحاته قرارا هذا نصه‏:‏ـ
يعمل في شأن مباشرة الإعلانات الانتخابية‏...‏ تعديل قيمة التأمين لتصبح كالتالي‏:‏ ثلاثة آلاف جنيه يسددها المرشح لعضويتي مجلسي الشعب والشوري‏.‏ ثم مادة أخري من القرار تقول في حسم يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره وعلي الجهات المختصة تنفيذه‏.‏
وتوالت القرارات من المحافظين وكل منهم دخل الأوكازيون بحثا عن تمويل لموازنة محافظته‏.‏
ـ لكن أحدا منهم لم يلتفت إلي النص الدستوري‏.‏ ولم يدرك أن إضافة شروط مانعة لعملية الترشح تخل بالتكافؤ المفترض في عملية الترشح ومن ثم فهي انتهاك صريح ومفجع للدستور‏.‏
ـ يبدو الأمر سبوبة فعلا‏,‏ إذ اعتدنا أن يتقدم للترشح في كل دائرة ما بين‏30‏ و‏40‏ مرشحا بما يعني ان حصيلة إزالة مخلفات الانتخابات لأي دائرة ستتراوح بين‏90,000‏ و‏120,000‏ جنيه‏.‏ أليست سبوبة فعلا؟
ـ ثم يصبح الأمر مثيرا للدهشة إذا اكتشفنا ان رسوم النظافة هذه عمياء وتصدر بالمخالفة للعقل‏,‏ وليس فقط بالمخالفة للدستور فالثلاثة آلاف جنيه تفرض علي مرشح الشعب ومرشح الشوري علي السواء‏.‏ فإذا كان الأمر متعلقا بالنظافة حقا وليس تلكيك لابتزاز المرشحين فلماذا يدفع مرشح الشعب مثل مرشح الشوري في حين أن دائرة الشوري مساحتها أربعة اضعاف دائرة الشعب؟ هل هناك منطق؟ ثم نأتي إلي ما هو أهم‏.‏ وننظر إلي ما يعنيه أن يدفع المرشح ألفا كرسوم ترشيح وثلاثة كرسوم للسيد المحافظ والمجموع اربعة آلاف جنيه مطلوب من أي مرشح ان يدفعها في اللحظة الأولي لترشحه بغض النظر عن أية مصروفات انتخابية أخري‏.‏
ونعود إلي المصدر الإحصائي الذي نعتد به‏(‏ كتاب الإحصاء السنوي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء سبتمبر‏2009)‏ فأرقامه هي الأكثر دقة من الأرقام التايواني التي يرددها المسئولون‏,,,‏ ونقرأ نسبة الأفراد الذين يبلغ دخلهم اليومي اقل من دولارين في اليوم‏42.8%.‏ دولاران‏:‏ أي أكثر قليلا من عشرة جنيهات في اليوم أي أكثر قليلا من‏300‏ جنيه في الشهر‏.‏ أي أن‏42,8%‏ من المواطنين مطلوب منهم أن يسددوا رسوما في صباح يوم الترشيح تساوي إجمالي مرتب عام كامل تقريبا هذا إذا تناسينا التكاليف الأخري‏.‏ وما من عاقل منهم يفعل ذلك‏.‏
وباختصار فإن رسما صادرا بقرارات المحافظين يحجب الحق في الترشيح عن‏42,8%‏ هو رسم غير دستوري ويهدر ابسط الحقوق الدستورية لشريحة واسعة جدا من المواطنين‏.‏ ولهذا فإنني اطلب إلي الدكتور رئيس الوزراء ان يصدر قرارا بمنع هذه السبوبة التي تحولت إلي مهزلة دستورية‏.‏ فإذا لم يجد د‏.‏ نظيف سبيلا لاحترام الدستور فلا مفر من صدور قرار من الرئيس‏.‏ وعلي أية حال لا مفر من اللجوء إلي القضاء لضمان احترام الدستور‏.‏

1 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More