Advertisement

تزفيت الوطن والمواطن!



أذيع البلاغ رقم واحد الذي ز ّ ف إلي المواطنين العرب البشري بوقوع أول انقلاب عسكري، سيحرر الأرض
من الاحتلال والاستغلال، وينقل الجنة من السماء إلي الأرض، ويهب قصورها مجاناً للمواطنين قاطبة،
فبادرت المرأة الغريبة الأطوار والمسماة بالحرية إلي الخروج من بيتها في الوطن العربي، ولم تعد إليه،
واختفت كأنها لم تكن يوماً موجودة، فتساءل عنها الناس بقلق، وظنوا أن سيارة مسرعة أو دبابة قد
دهستها، ولكنهم لم يجدوا اسمها في سجل أي مستشفي أو مخفر شرطة، وتذكروا أنها كانت تدعي امتلاك
قدرات ستتيح لهم أن يتكلموا متي شاؤوا معبرين عن كل آرائهم من دون خشية من أحد، وأن يختاروا
نوابهم في البرلمانات وحكامهم ودساتيرهم وقوانينهم ونوع الحياة القادر علي إسعادهم.
وقد رجح الناس أن اختفاءها غير المسوغ ربما كان سببه أنها قد فقدت ذاكرتها فجأة، ولم تعد تتذكر أنها
تملك بيتاً في الوطن العربي أو أنها آثرت الهجرة إلي بلاد قصية وطابت لها الإقامة بها إلي حد أنها نسيت
وطنها الأصلي أو أنها اعتقلت لكونها لا تملك بطاقة هوية، ولكن كل السجناء المطلق سراحهم نفوا بثقة
أنها مسجونة، ولما تعاقبت الأحداث التي برهنت للناس أن حاكمهم هو الحر الأوحد، ولم يخلقوا إلا لخدمته
وإطاعته وتمجيده، تأكدوا من أن الحرية قد قتلت ودفنت في مكان مجهول، ولكنهم لم يقنطوا، وظلوا
يطمحون إلي الاهتداء يوماً إلي قبرها حتي يزوروه طالبين منها أن تقهر موتها وتعود إليهم، ولو عادت
إليهم لما عرفتهم، فالذين كانوا يؤمنون بأنهم قادرون علي تغيير العالم لم يعودوا قادرين علي تغيير
جواربهم، والذين كانوا يحلمون بهدم كل السجون بنوا السجون في أفواههم ورؤوسهم، والذين كانوا
يحملون المعاول والرفوش لحفر القبور لكل الأوثان تحولوا عبيداً لها، والذين كانوا يضحكون بغير سبب
باتوا لا يضحكون إلا في الأعياد الرسمية، والذين كانوا رعوداً منذرة بأشرس العواصف أصبحوا أحذية
مهترئة، والذين كانوا جياداً غير مروضة صاروا دجاجاً يقوقيء ويبيض، ولكن الحرية لن تستغرب ما جري
لهم، فما إن تختفي الحرية من حياة الناس حتي يسود الانهيار.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More