Advertisement

لماذا بكي الرازي؟






لعل أبا بكر الرازي عندما علم وهو في قبره أن اسمه قد أطلق علي مستشفي جديد في جنين الفلسطينية
تباهي بين زملائه الأموات بهذا التقدير له من مستشفي أنشئ ليعالج بشراً يواجهون أشرس احتلال وأشنع
تجويع وأبشع اذلال وأقسي هوان، ولكن تباهيه تلاشي بعد ما حدث في مخيم جنين، وتمني أن يكون
مغموراً حتي لا يصبح شاهداً علي آلام لا يحتمل رؤيتها لاحي ولا ميت:
في أثناء القصف الإسرائيلي علي مخيم جنين، اتصلت امرأة تلفونياً بمستشفي جنين، وأخبرت أحد أطبائه
أنها تعاني آلام المخاض من دون أن يكون عندها أحد يساعدها، فقال لها الطبيب أن كل سيارات الإسعاف
يمنعها الجيش الإسرائيلي من التحرك، ونصحها بأن تواجه الأمر الواقع بشجاعة، وأن تحاول الولادة
وحدها، فبوغت الطبيب بأن المرأة قد عملت فوراً بنصحه، وبدأت تصرخ صراخ الموشكة علي الولادة،
وأخبرته بعد لحظات بصوت واهن أنها أنجبت مولوداً، ولكنه لا يبكي ولا يصرخ ولا يتحرك، فقال لها
الطبيب: احتسبيه شهيداً كغيره من شهدائنا ، ولم يقل إنها أنجبت أكثر الأطفال الفلسطينيين المولودين ذكاء
ووعياً، فهو قد عرف وهو في بطن أمه ما ينتظره بعد الولادة، فإذا لم يقتل رضيعاً قُتل طفلاً أو فتي أو
شاباً بعد تعذيب وإذلال لا يطيقهما حتي الحيوان، فآثر الانتحار وخرج من بطن أمه ميتاً.
وتمكنت سيارات الإسعاف من دخول مخيم جنين، ونجحت في نقل بعض الجرحي المصابين إصابات خطيرة
إلي مستشفي جنين، فحاول الأطباء نقلهم إلي داخل مبني المستشفي لتقديم ما يحتاجون إليه من علاج
عاجل، ولكن الجنود الإسرائيليين منعوهم، وظل الجرحي مرميين علي الأرض ينزفون دماً ويئنون
ويصرخون متألمين مستغيثين حتي ماتوا. وعندئذ أمر الجنود الإسرائيليون الأطباء بنقل الجرحي إلي داخل
المستشفي.
ومن الواضح أن الجرحي قد أخطأوا خطأ فادحاً، فلو قاوموا آلامهم التي لا تقاوم، وخنقوا أنينهم كاظمين
صراخ أوجاعهم واستغاثاتهم، ولاذوا بالصمت دقائق لكان الجنود الإسرائيليون الضجرون أمروا الأطباء
بنقل الجرحي فوراً إلي المستشفي بعد أن حرموا سماع ما كان يطربهم ويبعث فيهم النشوة والدفء.
ومسح أبو بكر الرازي وجهه بتراب قبره، واقترح علي زملائه القيام بعمليات انتحارية، تحير الإسرائيليين،
ولا يتوصلون إلي معرفة فاعلها الذي يظل مجهولاً، فتعالت الأصوات مرحبة مؤيدة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More