Advertisement

برعم الوردة .. قصة حب واقعية





یموت رجل الأعمال الملیاردیر وآخر كلمة یلفظھا ھي : (روزباد) أي برعم الوردة ... ترسل الصحف الأمریكیة
مندوبیھا في تحقیق مرھق طویل لمعرفة كنھ ھذا ال (روزباد).. یتحركون في كل إتجاه .. ما الذي مات الملیاردیر
وھو یتمناه ؟ .. ھو الذي أنشأ جنة صناعیة كاملة اسمھا (زانادو) فیھا كل ما یشتھي .. في نھایة الفیلم نكتشف أن
(روزباد) ھي الزحافة التي كان یلعب بھا في طفولتھ والتي اضطرت أمھ لبیعھا .. ھكذا كبر الملیاردیر وامتلك
أمریكا ذاتھا لكنھ ظل یتحرق شوقًا في عقلھ الباطن للعب بتلك الزحافة الصغیرة !... ھذه ھي القصة المؤثرة لفیلم
(المواطن كین) تحفة (أورسون ویلز)، والذي یحكي قصة حیاة ملك الصحافة الأمریكي (راندولف ھیرست)...
عندنا في العامیة المصریة نقول: "اللي ما شبعش على طبلیة أبوه عمره ما یشبع".. وھو یفسر حالة الجوع النھم لدى
كل ھؤلاء الملیاردیرات الذین یملئون المجتمع المصري الیوم ولا یشبعون من النھب أبدًا .. السبب ببساطة أنھم لم
یشبعوا في طفولتھم ..
ینطبق الكلام على المال ..
ینطبق على الحنان ..
ینطبق على الحب ..

كان یحبھا بحق .. تلك الرائحة الولیدة للعواطف القادمة لتوھا من المصنع بعد فك السیلوفان .. ھذه أول مرة تستعمل
فیھا قلبك .. ھل یعمل جیدًا ؟.. تذكر أننا ما زلنا في فترة الضمان .. رائحة المطر في الھواء والسكاشن التي تنتھي
قبل الغروب .. والشعور الألیم بأنھا ستنفد ..
السمراء المرھفة الرقیقة ذات عیني الغزال .. كان یملك تلك القدرة السحریة على رؤیة الجمال في صدیقة البطلة ..
الحمقى ینظرون بإعجاب للبطلة، ویفوتھم أن یروا ویفھموا الكنوز التي لدى صدیقتھا الخجول الصموت .. عندما
تقترب أنت وتنحني أمام العرافة المقدسة وتخبرھا كم ھي رائعة . كم ھي أسطوریة .. عندھا تستحق وحدك أنھار
اللبن والعسل التي ادخرتھا لأول من یلاحظ ذلك .. أول من یدرك أنھا أروع من صدیقتھا المفتعلة الملطخة
بالأصباغ .
ویقول رفاقي: لن تفلح
ویقول رفاقي: ھل تنجح ؟
أن ترقى درجات المذبح
وتبث الكاھنة العظمى
ترنیمة شجوى لا تبرح ؟


كان یحبھا في صمت ثلاثة أعوام، وفي حفل أسرة الكلیة بمناسبة نھایة العام طلبوا منھ أن یلقي قصیدة .. مال على
الفتى الذي یعزف الأرغن الكھربي وطلب منھ أن یتابع القصیدة بلحن (أرانجویھ).. سألھ في غیظ : إنت عاوز تقول
قصیدة والا تغني ؟...
لن یفھم ..
وقف وبصوت مرتجف وعلى خلفیة اللحن الرھیب، خرج الصوت متسربًا لأوتار قلوب الجالسین .. لو كان صوتًا
واثقًا أو أكثر ثباتًا قلیلاً لما أحدث ھذا التأثیر .. كان صادقًا وقد تلقى الجمیع الإشارة بذلك .. كانت روحھ ھي التي
تتكلم ..
ومھما كنت أو صرت .. أحبك مثلما أنت
فلا تتغیري أبدًا .. وكوني دائمًا أنت
..........................................
بعیدًا أنت تنسابین والأنظار تفترسك
وداعًا طفلتي السمراء حقًا سوف افتقدك ..
بعد الحفل تدنو منھ لتقول لھ في لطف: كنت رائعًا .. یتراجع للخلف ویضرب الجدار بظھره شاعرًا بأنھ یذوب في
الأبدیة .. وفي سره یھمس:
جاءت لتھمس : قد أجدت ..
فیا ملاكي رفرفي !
لو أنھا كانت تعي ..
أني احترقت كما الذبابة في لھیب تلھفي !
یقول لھا وھو یوشك على الإغماء:
"القصیدة دي كانت لك !"
تقول وھي تنظر في عینیھ:
"ما انا عارفة!"
ألھذا یطلق الفرنسیون على الحب اسم (المیتة الصغرى) ؟.. أنت تموت فعلاً ..


تبدأ أیام الحلم ...
أطفال تغمرنا النشوة
نتبادل ألفاظًا خجلى ..
ألتذ براءة ضحكتھا..
أجتر عبیر سذاجتھا..
وتجاھد كي تبدو أنثى
وأكافح كي أبدو رجلا !
...............
إني أھواھا .. تھواني ..
یكفیھا ھذا .. یكفیني ..
ككل قصة حب أخرى لابد أن تفنى .. تفنى بالفراق أو الزواج .. المھم أنھا تفنى .. كان ھو الذي أدرك أن الحب
جمیل لكن تبعاتھ مستحیلة قاسیة .. حسابھ في المصرف بضعة جنیھات .. إنھ طالب لم ینھ دراستھ بعد .. والده مدیر
شركة كبرى لكنھ مدیر شركة لم یختلس قط، لذا كان حسابھ في المصرف أسوأ من حساب صاحبنا .. لماذا أطلب
منك الانتظار من أجل حلم قد لا یكون أبدًا ؟.. صدیقاتك یظفرن بالزیجات الثریة .. صدیقاتك ینلن كل شيء ..
فرسان الأحلام یحلقون في السماء من حولكن .. أنتن كبیرات ناضجات أما نحن فبعد أطفال نتلقى المصروف من
آبائنا، ونتشاجر على لفافة تبغ وجدناھا في درج أحدنا .. طیري مع صدیقاتك .. طیري .. أتركیني ھنا في الوحل ..
ولا تعودي أبدًا ..
تبكي .. تدفن عینیھا الجمیلتین في مندیلھا فیصرخ فیھا: طیري !!... طیري !
الیوم یعرف كم كان حكیمًا في قراره ھذا عندما لم یستطع أن یتزوج إلا بعد سن الثلاثین ..
من دونك لن أزعم أبدًا أني أتنفس من دونك ..
من دونك أھذي .. أتثاءب .. أكتب أوراقًا .. أتعثر ..
ولبضع ثوان أتمادى ..
ولبضع قرون أتقھقر ..
أحیانًا أضحك .. أتناسى
أھمس ألفاظًا وسنانة ..

وأخط عبارات الشكوى من فوق جدار الزنزانة ...
یمر أمام بیتھا في شارع النحاس كما فعل ألف مرة من قبل .. ھذه المرة یرى بوضوح باقة الأزھار في شرفتھا
بالطابق الخامس ... رسالة صامتة بلیغة:
وكانت باقة الازھار تنظر لي من الشرفة ..
لقد كانت تواسیني ..
تفتش في قفار العطف عن لفظ یعزیني ..
ورغم ضراوة الأشواك قد أحسست بالألفة ..
لقد كانت تصارحني بما قد كان في أمسي ..
ولم تجھل حكایا الوھم .. والآھات واللھفة ...

لماذا یتذكر ھذا الآن ؟.. منذ ذلك الحین كف عن كتابة الشعر .. اكتسب ھذا الاكتئاب الساخر مع تلك اللمسة المتعبة
التي یعرفھا كل من قابلھ .. إنھ یتذكر .. كان ھناك حب حقیقي حریف في حیاتھ وقد اكتملت عناصره، لكنھ ضاع
للأبد ... ربما یشعر بدنو النھایة .. ربما یھمس وھو یرى عباءة الموت تظلل عینیھ: برعم الوردة .. روزباد ...
عندھا لا تتساءلوا كثیرًا یا سادة ...
مھما حقق صاحبنا من نجاح أو انتصار .. مھما شاب شعره ... مھما اكتسب من حكمة .. فھو لم یتذوق الوجبة
الوحیدة التي اشتھاھا حقًا ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More